أكد المدير العام لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي أن عبدالقدير خان وشبكته «النووية» ساعدا ليبيا وإيران. وأعرب في الجزء الثاني من حوار مطول مع «الحياة»، عن خشيته من حدوث «تزاوج بين السلاح النووي الباكستاني والعقيدة» من شأنه أن «يدمر أصحابها وأصحاب العقائد الأخرى».
وكشف البرادعي أن شبكة خان «عابرة للمحيطات» وضمت ثلاثين شركة ولها «فروع إقليمية تجمع في دبي أجزاء صنعت في تركيا وجنوب أفريقيا وماليزيا وسويسرا وألمانيا». وأقر بأنه لم يرَ خيطاً يربط عبدالقدير خان بـ «طالبان» أو «القاعدة»، لكنه أشار الى مساهمة خان في تأسيس البرنامج النووي الليبي الذي «كان في المهد»، وزيارته دولاً عربية و «عرض مساعداته لأسباب عقائدية».
وتحدث البرادعي عن دوافع شجعت صدام حسين على بناء «مفاعلات ضخمة جداً تحت الأرض... لإعادة بناء البرنامج النووي»، معرباً عن اقتناعه بأن صدام كان سيواصل برنامجه لصنع سلاح نووي لولا حرب 1991.
كما تطرق المدير العام الى لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون، منوهاً بأهمية هذا الاجتماع لأن شارون أعلن للمرة الأولى بعده «استعداده للحديث عن منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط».
وكشف البرادعي أن السلطات السوريـة لم تسمح لوكالة الطاقــة بتفقــد الموقع الذي تعـــرض لضربة إسرائيلية، لافتـــاً الـــى أن الوكالة «لا تملك أي معلومات عن برنامج نووي سوري».
وزاد أنه يتلقى تهديدات دائماً بعضها «عندما كنت في إسرائيل وفي العراق، وعندما أذهب الى إيران، لكنني لا أعلم مصادرها، فهي عبر البريد الالكتروني». وذكر أنه لا يخاف اغتياله.
وفي ما يأتي الجزء الثاني من الحوار:
> ما طبيعة شبكة عبدالقدير خان؟
كانت شبكة متعددة الأطراف، موجودة في أكثر من 30 دولة. وكان كثيرون من أعضائها موزعين على ألمانيا وسويسرا وتركيا وجنوب أفريقيا. كانوا متعددي الجنسية: عائلة سويسرية، شركات تركية، مجموعة من الألمان، شركات في ماليزيا. كانت من أكثر الشبكات تعقيداً، لكن خان كان هو من يطلق عليه رئيس مجلس الإدارة.
عبدالقدير خان وشبكته ساعدا ليبيا وإيران بالطبع، وهناك حديث عن أن الشبكة ساعدت كوريا الشمالية، إلى حد ما. كان جزء كبير من هدفها معنياً بالمال وتحقيق أرباح.
> وماذا كان لدى خان ليعطيه لهذه الدول؟
كان يزودها التكنولوجيا، المعرفة التقنية، التصميمات على اسطوانات مدمجة (CD)، أو حتى جهاز طرد لتصنيع مثله. نحن لم نتعامل مباشرة مع عبدالقدير خان، لأنه كما تعلم أبو البرنامج النووي الباكستاني، ويحظى بمرتبة عالية من التقدير هناك، ولديه كثير من الشعبية، على رغم أنه تحت الإقامة الجبرية في منزله. لم يسمح لنا بالتحدث إليه مباشرة لكن باكستان تعاونت معنا وكنا نوجه إليه أسئلة عبر الحكومة ونحصل على ردود.
> هل اعترف بتفاصيل؟
اعترف بأنه كان جزءاً من الشبكة النووية، وكانت لنا مقابلات كثيرة مع معظم أعضائها. كثيرون منهم كانوا بالطبع جزءاً من عملية تجارية، لكنني أتصور أن خان كانت لديه اعتبارات إيديولوجية، في تصوره أنه استطاع أن يحيّد البرنامج النووي (الهندي) عن طريق إطلاق البرنامج الباكستاني الذي أقامه ليكون موازياً لبرنامج الهند، وكان يحاول أن يكرر المعادلة ذاتها بين البرنامج الإسرائيلي وبعض البرامج العربية والإسلامية.
معلوماتي أن عبدالقدير خان لم يكن يعمل لأسباب تجارية فقط، بل كانت لديه أسباب عقائدية، وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى موضوع الأمن في منطقة الشرق الأوسط التي لا بد من إخلائها من أسلحة الدمار الشامل.
خان و "القاعدة"
> هل ظهر خيط يربط خان بـ «طالبان» أو «القاعدة»؟
لا، لم نرَ شيئاً كهذا، لكن بعض العلماء الباكستانيين زاروا أفغانستان.
> ماذا حدث في هذه الزيارات؟
لا أعلم تفاصيلها، لكن هناك اعتبارات عقائدية في باكستان. وما أخشاه أن يحدث تزاوج بين السلاح النووي والعقيدة، بصرف النظر عن هذه العقيدة، لأن هذا التزاوج سيدمر أصحاب هذه العقيدة وأصحاب العقائد الأخرى كافة.
> يُقال إن أكبر تاجر نووي في التاريخ هو خان...
بالطبع، هو أكبر تاجر نووي قطاع خاص. كما ذكرت، كان رئيس الشبكة، ولكن كانت هناك شخصيات أخرى كثيرة تدير فروعاً إقليمية. كانوا يصنعون جزءاً في تركيا وآخر في جنوب أفريقيا وغيره في ماليزيا، ورابعاً في سويسرا أو ألمانيا، ويتم تجميع هذا كله في دبي.
> خان كان يسافر كثيراً إلى دبي، هل كانت مركز التجميع؟
كانت لديهم مراكز في دبي تعمل تحت أسماء شركات.
> وماذا كانت مهمتها؟
تجميع الرسومات وعملية التصدير.
> وكم شخصاً ضمت؟
ثلاثين شركة على الأقل. يمكن أن يصل عدد الضالعين (في الشبكة) إلى ما بين 50 و100 شخص، بين علماء ورجال أعمال ومتخصصين في التصدير ومحاسبين. كانت شبكة معقدة عابرة للمحيطات.
> وهل عرفتم من التقى هؤلاء في أفغانستان؟
لا. قرأنا في الصحف أن اثنين من العلماء ذهبا إلى أفغانستان فقط.
> هل ساهم خان في تأسيس البرنامج النووي الليبي؟
نعم، بالطبع.
> وإلى أي مدى كان برنامج ليبيا جدياً؟
كان في المراحل التمهيدية. عندما ذهبت إلى ليبيا في عطلة نهاية عام 2003، رأيت أجهزة غير كاملة في حاويات. وكانت هناك أجزاء أساسية لم تصلهم بعد.
> ومن أين جاؤوا بها؟
بعضها عن طريق خان، وبعضها من جنوب أفريقيا وماليزيا. جاءت من أماكن مختلفة، لكن البرنامج الليبي كان في المهد. ربما كانوا أكثر تقدماً في البرنامج الكيماوي، ولكن ليس النووي. ليبيا كانت صريحة، وقالت إنه برنامج عسكري، وخان كان الشخص الأساسي وراء البرنامج الليبي. وبحسب علمي، زار دولاً عربية وعرض مساعداته.
> أي دول؟
لا أود ذكر أسماء ولكن كانت وراء هذه المحاولات أسباب عقائدية. وطالما أن هناك خللاً في نظام انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط، وطالما بقيت إسرائيل خارج هذا النظام، وطالما هناك عملية سلام منقوصة لا تتقدم إلى أمام، سنجد في المستقبل محاولات من دول أخرى للحصول على السلاح النووي. أينما وُجد إحساس بعدم الأمن، ستحاول الدول ما تستطيع لتأمين نفسها، سواء اختلفنا معها أو اتفقنا.
على سبيل المثال، هناك خلاف كبير مع الايديولوجيا الإيرانية ومحاولاتها التدخل في المنطقة، ولكن من وجهة نظر إيران، هي تشعر بعدم اطمئنان: هناك سلاح نووي باكستاني، وآخر روسي، إضافة إلى 150 ألف جندي أميركي في المنطقة. وسواء اتفقنا مع هذا الإحساس بانعدام الأمن أو لا، يجب أن نعالجه، والحل الوحيد أن نجلس إلى طاولة التفاوض.
> هل صار سجل ليبيا نظيفاً؟
نعم، صار نظيفاً واستطعنا ان ننتهي منه. برنامجها الكيماوي كان متقدماً أكثر.
> هل كانت لديها خبرات من الخارج؟
كانت لديها هذه الخبرات عندما كانت تطور برامجها، ولكن لديها مجموعة من العلماء الليبيين في المجال النووي تعلموا في الخارج وهم على أعلى قدر من المعرفة.
> يقال إن لدى إيران جيلاً من العلماء؟
إيران لديها جيل متقدم جداً من العلماء. مستوى التعليم فيها مرتفع، وهناك كثيرون من العلماء الذين درسوا في الخارج. إيران هي البنية الصناعية، وأقول دائماً إن أي دولة لديها بنية صناعية متقدمة يمكنها تصنيع سلاح نووي إذا أرادت، وإيران لديها بنية صناعية متقدمة على كثير من الدول العربية، إن لم يكن على معظمها.
> هل استعانت إيران بعلماء من بقايا الاتحاد السوفياتي؟
ليس على حد علمنا.
> وليبيا؟
في بداية البرامج في الثمانينات، كان لديها علماء من الخارج، إنما بعد ذلك رأينا علماء ليبيين.
صدام والسلاح النووي
> لنعد قليلاً إلى الماضي. هل كان البرنامج النووي العراقي متقدماً حين ضرب مفاعل «أوزيراك» في عام 1982؟
البرنامج العراقي كان (يتكون من) مفاعل بحوث، ولكن الخوف كان أن يؤدي هذا المفاعل إلى تطوير المعرفة وتوليد بلوتونيوم مستنفد، يتولى العراق لاحقاً فصله وتوليد البلوتونيوم. كانت قراءة لأخطار مستقبلية. وفي رأيي أن ضرب المفاعل دفع صدام حسين الى بناء مفاعلات ضخمة جداً تحت الأرض، لإعادة بناء البرنامج النووي. وهذا ما أحذر منه في ما يخص إيران.
توجيه الضربة قد يكون عطّل البرنامج العراقي قليلاً، ودفع صدام الذي ربما لم يكن في ذهنه الحصول على سلاح نووي، إلى توجيه بلايين الدولارات إلى هذا البرنامج لتطوير هذا السلاح. ولم نكتشف هذا الأمر سوى في عام 1991 بعد حرب العراق الأولى. ولولا هذه الحرب، لاستمر صدام في برنامجه لصنع السلاح النووي.
لذلك، فإن المسائل المتعلقة بغياب الإحساس بالأمن والتسابق الإقليمي لإحداث توازن أو تفوق، لا يمكن أن تُحل عسكرياً. وحان الوقت لنفهم أنه من أجل التوصل إلى حل دائم، ليس علينا فقط أن نتفاوض، بل أن نخرج بحلٍ مشرف، لتفادي تكرار ما رأيناه في أوروبا، حين أدى اتفاق «فرساي» غير المتكافئ إلى الحرب العالمية الثانية.
كسب الوقت شيء آخر، ولكن إذا أردنا أن نحقق سلاماً بالمعنى المفهوم، لا بد أن يكون قائماً على المساواة والتكافؤ والعدالة.
> هل التقيت العقيد معمر القذافي؟
نعم.
.